لماذا قدس المصري القديم هذه الطيور؟



لطالما كان للطيور مكانة ومنزلة كبيرة عند المصريين القدماء منذ فجر التاريخ، فقد تأثر المصري القديم بالطيور وحرص على تصويرها علي جدران المعابد والمقابر لما لها من دلالات دينية مقدسة خاصة بالعقيدة المصرية القديمة، وشكلت رمزاً لغوياً للكتابة المصرية الهيروغليفية.

الدكتور أحمد صالح، مدير منطقة آثار أسوان، يقول في تصريحات خاصة ، إن الطيور تمثل مكانة خاصة عند المصريين القدماء فقد ظهرت مشاهد تربية الأوز والبط منذ عصور الدولة القديمة, وظهرت أيضاً في نفس العصر مشاهد صيد الطيور المائية وامتدت حتى عصر الدولة الحديثة، حيث عرف المصري القديم الأوز والبط ونوع من الدواجن يسمى دجاج "الغرغر" أو الدجاج الفرعوني، والذي صور علي لوحة ساحة القتال والتي ترجع إلى أواخر عصور ما قبل الأسرات وهي محفوظة بمتحف "أشموليان " في أكسفورد.

ويضيف صالح أن أنواع الأوز عند المصري القديم متنوعة وهذا واضح في لوحة أوز" ميدوم "التي ترجع لعصر الأسرة الرابعة, كما ميز المصري بين خمسة عشر نوعاً من البط البري، وأنواع البط الأخرى، واستأنس أنواعاً كثيرة منها بدءاً من عصر الدولة القديمة، في بردية "هاريس" الكبرى توجد مئات الآلاف من الطيور التي تم إهداؤها للمعابد 57810 حمامة, 25020 طيوراً مائية وغالبيتها أوز وبط، و160 طائراً كركياً ثلاثة أنواع, 21700 طائر سمان".

مكانة مقدسة : 
عن أهم الطيور المقدسة في حياة المصري القديم يقول الباحث عماد وهدان في تصريحات خاصة ، إن المصري القديم اعتبر أن أرواح "النترو" المقدسين تحل فى أجساد هذه الطيور، فهو لم يقدس الطير لطبيعته المادية، وإنما التقديس لعلمه بحلول أرواح النترو المبجلين فى أجسادها، أهمها على الإطلاق "الحرو" الصقر المصري الأصيل، يليها طائر" الأبيس" وذكر الأوز وتمثل فيه آمون، وطائر "البشروش" وهو يمثل الروح، وطائر" البنو " لأنه يمثل الإله "أتوم " في الحالة الأولى لظهوره على تل " البن بن "، وطائر الهدهد كرسول للعالم الآخر".

ي بحثه "الطيور في مصر القديمة" يقول عبد الحميد عزب أستاذ الآثار المصرية، إن بعض هذه الطيور تم تقديسها مثل طيور أبو منجل، والصقر، والنسر " طائر الرخم"، وكان يتم تحنيط أجسادها بعد الممات وتكفينها كما كان يكفن البشر بلفائف الكتان، ثم وضعها داخل توابيت من الحجر أو الفخار كما هو الحال فى جبانة "تونا الجبل" التي تعد أكبر جبانة لدفن طائر أبو منجل، وكان هناك أيضاً حكم الإعدام الذي كان ينفذ ضد كل من يتعدى بالسوء على هذه الطيور".

ويضيف عزب "كان هناك أيضاً معانٍ رمزية ارتبطت ببعض هذه الطيور فكان طائر "البشاروش" الذي يشتهر بطول ساقيه من فصائل أبو منجل أو كما يسمى بطائر" النور"، يرتبط ببداية الخليقة وضياء الكون ورحلة الشمس فى العالم الآخر، حيث وقف على التل الأزلي فى بداية الخليقة، كما يمثل طائر البنو "الفونكس"مرحلة البعث أو الشروق، كما يمثل طائر "الديك" مرحلة الفجر ويرتبط ببداية ونهاية اليوم كما يظهر في مقبرة "بيتوزيريس" الشهيرة بمنطقة تونا الجبل بالمنيا".

عن سر تقديس المصريين القدماء للصقر يقول الدكتور وسيم السيسي في كتابه "مصر التي لا تعرفونها"، إن اختيار أجدادنا الفراعنة وتقديسهم للصقر لم يأتِ من فراغ، فكان أجدادنا يرمزون للإله بالصقر، لأنه الطائر الوحيد الذى ليست له جفون، وأن الله لا يغفو عن رؤية البشر، كما أنه دائماً في الأعالي، بالإضافة إلى أنه طائر نبيل لا يهاجم أوكار أو أعشاش الطيور، ولا يأكل الجيف كالنسر، بل لا يصطاد فريسته إلا وهي طائرة حتى يعطيها فرصة للنجاة".

طيور تكتب :

كان المصريون القدماء يعتقدون أن الطيور من بين كل الكائنات، هي التي تستطيع الكتابة، وكانوا يختصون بهذه القدرة طائر "أبو منجل" الذي جعلوه إلهاً للكتابة والمعرفة وأطلقوا عليه اسم الإله "تحوت"، وظل الإله “تحوت” يعبد في مختلف أنحاء مصر من عصر الدولة القديمة، وحتى نهاية عصر الأسر الملكية.

يقول الكاتب الأمريكي "جون أنتوني ويست" في كتابه "ثعبان السماء" قد يبدو الربط بين هذا الطائر وبين حفظ التقويم ومعرفة فنون الكتابة أمراً خيالياً بعض الشيء، ولكنك قد تجد بعض المنطق في هذه المسألة إذا ما لاحظت سلوك أبو منجل والطريقة التي يحرك بها منقاره المقوس في المياه الضحلة بحثاً عن الطعام وأسلوب التقاطه للحشرات من الأشجار التي كان يعشش عليها، حيث إن منقار أبو منجل يشبه وسيلة الكتابة، كما أن طريقة تحريكه لرأسه ومنقاره تشبه طريقة تحريك اليد وهي ممسكة بالقلم".


تأثر المصري القديم بالطيور منذ عصر ماقبل الأسرات، حيث اتخذ منها رموزاً ودلالات لغوية ضمن كتاباته الهيروغليفية، فنجد طائر السمان يرمز لحرف"و "طائر البوم لحرف "م"، وطائر الصقر لحرف ثنائي النطق "ح"، وغيره من رموز من عالم الطيور.




شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة